الأربعاء، 8 ديسمبر 2010

الموقع الإلكتروني تصرف "كدويلة" تمكنت من الحصول بطريقة ما على "أسلحة مخيفة"

" "
قد يبدو أكثر من مجرد لغز، وأكثر من مجرد جرأة مهنية وسياسية كذلك، أن يقوم موقع إلكتروني بفضح مواقف وسياسات الولايات المتحدة الأميركية من شخصيات سياسية ودول وقوى وأحزاب في الشرق الأوسط وأوروبا، وأن يكشف آراء دبلوماسيي واشنطن وجنرالاتها في زعماء وحكومات صديقة وحليفة، بل وأن يتجرأ أيضاً على فضح العالم السري لدبلوماسية جمع المعلومات والتصنت التي تقوم بها السفارات الأميركية!

ما حدث أن الموقع الإلكتروني تصرف "كدويلة" تمكنت من الحصول بطريقة ما على "أسلحة مخيفة" وراحت تهدد باستخدامها دون تردد. ولذلك استشاط أصدقاء وحلفاء واشنطن غضباًً. رئيس الوزراء التركي طيب رجب أردوغان كان الأكثر غضبا حين وصف تصرف ويكيليكس "بالحقير" لأن بعض الوثائق تشير إلى رصيده الضخم في بنوك سويسرا، بينما قال مستشار لرئيس الوزراء الكندي إن على أوباما أن يرسل طائرة دون طيار لقتل مؤسس الموقع جوليان أسانج.

"
ويكيليكس تصرف كدويلة تمكنت من الحصول بطريقة ما على أسلحة مخيفة وراحت تهدد باستخدامها دون تردد, ولذلك استشاط أصدقاء وحلفاء واشنطن غضبا
"

وفي العراق يقول وزير الخارجية هوشيار زيباري إنه قلق من احتمال أن يؤدي تسريب المعلومات إلى "تسميم" حالة العراق المسممة أصلا. وفي بقية أرجاء العالم، لا يزال هناك من يتأهب للرد بغضب إذا جاءت الموجة الثانية من الوثائق على ذكر اسمه.

فعلياً، سدّد الموقع ودون أن تصطك ُركب العاملين فيه، ضربتين قاسيتين بالتتابع: مرة للبنتاغون من خلال نشر وثائق عن غزو العراق وأفغانستان، ومرة أخرى لوزارة الخارجية من خلال نشر برقيات ووثائق ورسائل الكثير من الدبلوماسيين الأميركيين.


فهل موقع ويكيليكس (ويعني ويا للمصادفة: التسريبات) أكثر بكثير من مجرد موقع على شبكة الإنترنت؟ وهل هو أداة قاسية وموجعة في صراع خفي ميدانه الحقيقي العالم بأسره، لا الولايات المتحدة وحدها؟ لكن، هل يكمن اللغز حقاً في تسريب الوثائق أم في دور ووظيفة الموقع؟


السؤال الأخير جوهري للغاية، والإجابة عنه بدقة وموضوعية ودون أوهام قد تفتح الطريق أمام معرفة الكثير من الحقائق والخفايا التي تتعلق بمستقبل العالم، وشكل التغيرات المتوقعة على خرائطه وعلاقات دوله وصراعات ثقافاته، فما قام به ويكيليكس ليس بكل تأكيد مجرد نشر لفضائح ذات طبيعة أميركية خالصة تتعلق بسلوك جنرالات البنتاغون في العراق وأفغانستان، أو بسلوك وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي طالبها مؤسس الموقع بالاستقالة.


والأدق، أنه قام بفضح عالم سري متشابك المصالح، خارج العلم الأميركي، وهو ما يعني بوضوح أنه ينطوي على أبعاد ونتائج وتداعيات دولية -دبلوماسية وسياسية وأمنية- ستتخطى الولايات المتحدة.. إنه عمل استثنائي وفي صلب سياسة زعزعة العالم كله.


واليوم، يتشكل بفعل هذا التسريب شعور على مستوى العالم بوجود خطر اسمه ويكيليكس.. إنه خطر شبيه بخطر إعصار أهوج قد يضرب في كل مكان، أي أن هذا الخطر لم يعد أميركيا يخص الدولة الأعظم، وأن الآخرين -ربما كل الآخرين- قد يصبحون في عين الإعصار في أي لحظة. لقد بات يهدد مصالح وأسرار دول وحكومات وزعماء على مستوى العالم كله، ولا أحد بمنجى من ضرباته. فهل المسألة مسألة وثائق أم تتعلق بدور هذا الموقع ووظيفته الحقيقية؟


لقد بات سلوكه تعبيراً عن عمل شبيه بالفعل "بحرب مصغرة" نموذجية وبلا حدود، تشنها دويلة إلكترونية ميدانها العالم كله. والنتائج المترتبة على هذه الحروب الصغيرة، تكاد تتجسد في هدف واحد غير معلن، هو أن تؤدي إلى زعزعة تدريجية لنظام العلاقات الدولية القديم تمهيداً لاستبداله بنظام جديد يتلاءم ومصالح وإستراتيجيات القوة الأعظم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الموقع غير مسئول عن التعليقات وكل التعليقات تعبر ان اصحابها