السبت، 16 أكتوبر 2010

وائل الإبراشي يكتب: اللعبة انتهت.. خطة تمشيط وإخلاء الساحة الإعلامية من المشاغبين قبل انتخابات الرئاسة عام 2011

" "
لم أفاجأ بما حدث لإبراهيم عيسي.. فوجئت فقط بالسرعة التي تمت بها الإطاحة به.. فهو «عبدالله النديم الصحافة المصرية» اعتدنا أن نري السلطة تطارده وتغلق صحفه وتوقف برامجه




· عاطف عبيد كان يهدد الفضائيات بأنه ينفذ سياسات جمال مبارك وممنوع عنده أن نذكر أي شيء عن الحكومة


· < دريم لاتزال تدفع ثمن حوارها مع مرشد الإخوان وهو بالمقاييس الإعلامية «خبطة» تليفزيونية لكنه بمعايير السلطة عمل إنقلابي



إذا سألتني : ماهي أعظم المكاسب التي تحققت في مصر خلال السنوات الماضية؟ سأجيبك علي الفور: الحرية المنقوصة في الصحافة المكتوبة وفي الإعلام المرئي .. وإذا سألتني: لماذا هي منقوصة؟ سأجيبك دون تردد: بسبب نظرية «المنحة» .. فالنظام يتعامل مع الحرية علي انها منحة وليست حقا أصيلا من حقوق الانسان .. منحة منحتها لنا السلطة وبالتالي من حق صاحب المنحة أن يسحبها.. شرعية المانح بالحاء في أن يتحول إلي مانع .. بالعين .. وهذا هو لب المشكلة وأساس الأزمة .. الحرية هل هي منحة أم حق أصيل؟!.. الحكومات المستبدة تراها منحة تمنحها لبعض الوقت لكي تتجمل بها وتنتزعها بمجرد أن تبدأ الحرية في فضحها وكشفها وبمجرد أن يستخدمها الناس لمواجهة الظلم والاستبداد والفساد.. القضية الاساسية أن الحرية ليست منحة ولكنها حق أصيل مثل الهواء الذي نتنفسه والماء الذي نشربه ومن هنا يحدث الصدام.. طوال السنوات الماضية وخلال وجودي في المطبخ الصحفي والإعلامي .. عايشت نفس السيناريو الذي نشهده الآن.. فترات صعود تتعلق بمساحة الحرية تعقبها سنوات هبوط وتضييق مصحوبة بنفس الشعارات وذات النغمة السائدة «لقد تحولت الحرية إلي فوضي» وتحول الإعلام إلي آلة هدم وتحطيم وتكسير ولابد من إعادة الأمور إلي نصابها الحقيقي.. أي إغلاق الأبواب والشبابيك.. نظرية المنحة.. ما منحناكم إياه سننتزعه منكم،، عام1992 وبنفس منطق المنحة منح النظام الصحف القومية مساحات أوسع من الحرية لمواجهة ظاهرة التطرف الديني والإرهاب المسلح الذي كان يحصد الضحايا في الشوارع كل يوم ولإحداث التوازن مع حزب العمل المتحالف مع جماعة الإخوان المسلمين وصحيفته الشعب التي كانت توزع توزيعا كبيرا.

وكان لمجلة «روزا ليوسف» النصيب الأكبر من هذه الحرية فحققت نجاحا كبيرا وسحبت البساط من تحت أقدام المعارضة وواجهت التطرف الديني والفساد الحكومي في نفس الوقت .. وبمجرد أن انتهي الإرهاب المسلح بعد مذبحة الاقصر عام1997 وبعد الصفقة التي عقدها الأمن مع الجماعات الإسلامية المسلحة رفع النظام شعار «استردوا المنحة».. لقد أعطيناهم الحرية واستخدمناها في مواجهة الإرهاب ولم نعد بحاجة إليهم وإليها.. استغلت السلطة بيانا غامضا لجماعة إسلامية تهدد فيه الأقباط نشرته صحيفة الدستور في «تجربتها الأولي» ثم مجلة روزاليوسف وتخلصت من المطبوعتين فأغلقت الأولي وأطاحت بالمسئول الأول تحريريا عن الثانية الأستاذ «عادل حمودة» ثم استغلت الحكومة أزمة رواية وليمة لأعشاب البحر الشهيرة التي طبعتها وزار ة الثقافة وهاجمتها المعارضة بحجة أنها تسئ للإسلام وأغلقت صحيفة الشعب وجمدت حزب العمل.. وبعد أن حلقنا لمدة ست سنوات في سماء الحرية هبطنا إلي سابع أرض وشهدت مصر سنوات الهبوط الشديد في سقف الحرية لأن النظام انزعج من الحرية فسحبها أو انتزعها أو اغتصبها بنفس نظرية المنحة .. ثم فجأة قرر النظام منح الحرية من جديد فهي منحة يمنحها متي يشاء وكيفما يشاء.. منحها هذه المرة من أجل التمهيد والتخطيط للتعديلات الدستورية الجديدة التي نقلت مصر.. حسب وجهة نظرهم.. من نظام الاستفتاء علي اسم رئيس الجمهورية إلي نظام الانتخابات الرئاسية علي أساس التنافس بين أكثر من مرشح وأبرز مافيها تعديل المادة «76».. قبل ذلك بعدة سنوات قرر النظام السماح بإنشاء القنوات الفضائية الخاصة ثم إعطاء الضوء الأخضر بعد ذلك لصدور صحف مشاغبة فخرجت «صوت الأمة» وعادت «الدستور».. كل ذلك لتهيئة الأجواء للتعديلات الدستوريات الجديدة.. عايشت بنفسي أجواء الحرية التي حصلت عليها قناة دريم في بدايات تأسيسها أعقبها فترات هبوط ثم فترات صعود من جديد فالحرية منحة حسب مفهومهم .. وفي عهد الدكتور عاطف عبيد كان ممنوعا ذكر أي شيء عن الحكومة بالخير أو بالشر.

فالرجل كان يهدد أصحاب القنوات الفضائية بالويل والثبور.

وكان يوحي لهم بأن سياساته هي سياسيات جمال مبارك ابن الرئيس .. فشهدت قناة دريم أسوأ فتراتها إلي أن قرر النظام إعادة منح الحرية من جديد بعد إقرار التعديلات الدستورية وظهرت برامج التوك شو في القنوات الفضائية تباعا وشهدت السنوات الأخيرة ارتفاعا كبيرا في سقف الحرية. نتج عنه زيادة ثقافة الاحتجاج عند الناس .. ثقافة الإضرابات والاعتصامات والمظاهرات بشكل سلمي.. وتحول الإعلام بأجنحته الثلاثة: المكتوب والمرئي والاليكتروني إلي سلطة في مواجهة الوزراء والمسئولين الكبار وأصبح المشكل الأساسي لوعي الناس والمتنفس الوحيد لهم والبديل لكل الأحزاب والقوي السياسية .. نعم تحول الاعلام إلي سلطة موازية للسلطة التنفيذية يفضح الفساد ويكشف الاستبداد بشكل أزعج جميع المسئولين الكبار فتكتلوا جميعا وخنقوه وطعنوه فتفرق دمه بين القبائل.. السلطة استخدمت حرية الإعلام لأهداف سياسية وهي تسعي الآن للتخلص منها بعد أن تحولت إلي عبء عليها وأصبح المطلوب الآن إخلاء الساحة السياسية والإعلامية والصحفية من كل المشاغبين والمعارضين قبل انتخابات الرئاسة عام2011 .

وهذه بعض المعلومات:

بدأ التضييق علي القنوات الفضائية الخاصة بمحاولات جادة وحازمة من وزير الاعلام أنس الفقي لإخضاعها لتبعيته حيث طلب من أصحابها والمشرفين عليها معرفة عناوين القضايا وأسماء الضيوف بشكل يومي.. رفض الكثيرون في أن يتحولوا إلي مخبرين لدي وزارة الإعلام.. الجميع يتدخلون وليس وزير الإعلام فقط. الجهات الأمنية هي الأكثر تدخلا وقد وصل الأمر إلي حد محاولة إنزال أحد الضيوف المنتمين إلي جماعة الإخوان المسلمين من الاستديو علي الهواء مباشرة في برنامج العاشرة للزميلة مني الشاذلي.. ما لا يعرفه الكثيرون أن قناة دريم تتعرض للعقاب الشديد حتي الآن بسبب حوار الزميلة مني الشاذلي مع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين وهو بالمقاييس الإعلامية خبطة تليفزيونية ولكنه وفقا لمعايير السلطة عمل انقلابي خاصة أن شعار الجماعة : الإسلام هو الحل كان موجودا خلف المرشد يتصدر الشاشة طيلة الحوار .. ورغم أن الدكتور أحمد بهجت صاحب القناة أكد أكثر من مرة عدم رضائه عن الحوار واعتذر عنه إلا أن السلطة إذا غضبت عصفت فالقناة تتعرض بسبب ذلك لتضييق شديد بالإضافة إلي صرب المصالح الاقتصادية لصاحبها وهو ما يحدث الآن أيضا لصاحب دار الشروق وجريدة الشروق الاستاذ «إبراهيم المعلم» الذي يتعرض لضغوط شديدة بسبب مقالات الكاتبين الكبيرين الاستاذ فهمي هويدي والدكتور علاء الأسواني بالإضافة إلي موقف الجريدة المؤيد للدكتور محمد البرادعي وصلت إلي حد تهديده اقتصاديا في مصنعه وفي أنشطته المختلفة فالمطلوب كما ذكرت إخلاء الساحة من كل الأقلام المشاغبة والمؤثرة قبل انتخابات الرئاسة عام2011 .. وعقد إبراهيم المعلم والكاتب الكبير سلامة أحمد سلامة اجتماعاً بالفعل مع الدكتور علاء الأسواني وابلغاه بالضغوط الأمنية والسياسية، إلا أنهما أكدا له عدم رضوخهما لهذه الضغوط.

أعود إلي الشاشة فحالة عمرو أديب مختلفة تماما.. عمرو يستخدم سلاح السخرية وهو أهم سلاح يستخدمه يلجأ إليه المصريون للتعامل مع الأزمات فالحل هو إطلاق النكات علي الأزمات والسخرية منها لذلك يتعلق الكثيرون بعمرو أديب.. والسخرية سلاح خطير فبعض المسئولين قد يفهمونها علي أنها هزار والبعض الآخر قد يعتبرونها إهانة أو صفعة، لذلك لست مع الصديق طلعت السادات الذي اتهم عمرو أديب كثيرا بأنه مخبر وأن النظام يستخدمه أحياناً لاصطياد المعارضين وأنه أي طلعت السادت دخل السجن وفقا لكمين نصبه له عمرو أديب أعتقد أن الاحداث الاخيرة أثبتت خطأ اتهامات طلعت السادات وأكدت أن أجنحة داخل السلطة ضد عمرو أديب حتي ولو كان علي وفاق مع أجنحة أخري.. لا أحد يصدق شماعة الخلافات المالية كمبرر لمنع ظهور عمرو أديب علي الهواء لان الخسائر الناجمة عن عدم ظهور أديب أضعاف أضعاف ما تقول مدينة الإنتاج الإعلامي انها ديون أوربيت، فاتورة الخسائر السياسية والادبية بل والاقتصادية لمنع برنامج مهم مثل برنامج أديب باهظة.. ولن نعرف الان من هو ذاك الجناح داخل السلطة الذي غضب علي عمرو أديب ولكننا سنعرف غدا.

أما حمدي قنديل فهو أمير «المغضوب عليهم» إعلاميا وقائد كتيبة المستهدفين والمطاردين. وخطورة حمدي قنديل علي الأنظمة العربية أنه ينفذ إلي الأعماق ويدغدغ العواطف ويخاطب العقول والمشاعر معا..

ويجيد فضح أمريكا واسرائيل بينما معظم الحكام العرب يحبون أمريكا واسرائيل بل ويحلمون بهم.. وقد عايشت وقائع تتعلق بمنع حمدي قنديل من قناتي المحور ودريم وروي لي الدكتور حسن راتب صاحب قناة المحور أنه اتفق مع قنديل بالفعل علي تقديم برنامج بعد الحصول علي موافقة بعض الجهات في الدولة وأراد أن يمهد لظهور حمدي قنديل فطلب من معتز الدمرداش استضافته في برنامج «90دقيقة» إلا أن المسئولين في الدولة غضبوا بعد الحوار، لأن قنديل انتقد النظام بشدة وبالتالي ضاعت فرصة ظهوره علي قناة المحور.

أما الدكتور أحمد بهجت فقد اقترح علي حمدي قنديل أن يقدم برنامجا حواريا كحل وسط حتي يتمكن من تمرير عملية ظهوره علي الشاشة.

إلا أن قنديل رفض بشدة لانه أصر علي منهجه القائم علي فكرة إعلام الموقف .. أي أن يكون له رأي وموقف ووجهة نظر.

أما محمود سعد فهو الأكثر اقترابا من الناس وبالتالي هو الأكثر ابتعادا عن السلطة التي تكره من يقترب من الناس ومحمود يتعامل مع التليفزيون المصري بمنطق «هتمشوني امتي» ويحسب لمحمود سعد أنه أكثر الذين انتقدوا المسئولين والوزراء داخل تليفزيون الحكومة، ويحسب له أيضا انحيازه الدائم للغلابة والبسطاء.

ومحمود سعد في اعتقادي هو في مقدمة قوائم الاعتيالات الاعلامية..خاصة أنه كانت لديه الشجاعة ليعلن بوضوع أنه لن ينتخب الرئيس مبارك ولا حتي جمال مبارك وإنما سينتخب معارضا مثل حمدين صباحي.

الغريب أن السلطة لا تحمي أحدا: بل إن بعض الإعلاميين المحسوبين علي النظام تعرضوا للنفي والتشريد والطرد لمجرد أخطاء ارتكبوها حسب اعتقاد السلطة.

فالاعلامية الكبيرة هالة سرحان مثلا كانت جزءا من النظام ولم تقدم نفسها يوما علي أنها معارضة للسلطة ولا أذيع سرا إذا قلت انها كانت تلقي تشجيعا وتأييدا من جبهات عديدة داخل الدولة علي اعتبار انها تمثل الاعلام المنفتح والذي يواجه أفكار جماعة الاخوان المسلمين إلا أن كل ذلك لم يشفع لها ولم ينقذها من غضب السلطة بسبب حلقات فتيات الليل لمجرد انهن اتهمن ضباطا في الداخلية بالحصول علي عمولات من نشاطهم.. والكابتن أحمد شوبير هو أحد المحسوبين علي النظام والحزب الوطني إلا أنهم رفعوا عنه مظلة الحماية بعد اتهامه لاتحاد الكرة وللشرطة بالتواطؤ في حادثة الاعتداء علي أتوبيس الفريق الجزائري.

والدكتور علاء صادق لم يكن يوما مناضلا سياسيا لكنه مناضل رياضي ولا علاقة له بالدكتور البرادعي أو بحركة كفاية ومع ذلك تعرض لأسرع غضب عصف بإعلامي علي الشاشة لمجرد انتقاده لوزارة الداخلية واتهامها بالتقصير في حماية جنودها في مباراة الأهلي والترجي التونسي.

أنا شخصيا لم أفاجأ بما حدث لصديقي وتوأمي إبراهيم عيسي .. فوجئت فقط بالسرعة التي تمت بها الإطاحة بعيسي.. كنت أتصور أن إيقاف برامجه في قناة ساويرس وإقالته من الدستور سيحتاجان إلي سيناريو خبيث يتطلب وقتا وجهدا ومناورات ولكن النظام لم يعد في حاجة إلي الحيل والألعاب الذكية فهو في مرحلة يكشر فيها عن أنيابه ويخرج لسانه للجميع: لا أحد بمنأي عن الضرب وقطع الأرزاق.. في اعتقادي أن إبراهيم عيسي يستمد قوته من ملاحقة ومطاردة النظام له.. وضع «الاستقرار الصحفي» يضعفه فهو «عبدالله النديم» الصحافة المصرية..اعتدنا أن نري السلطة تطارده. وتغلق صحفه وتوقف برامجه.. المشكلة الاساسية أنه لا أحد يتصور الدستور بدون إبراهيم عيسي ولكنني أثق أن عيسي الآن أكثر قوة ومكانة وقيمة وقامة لأن الإطاحة به تكلفت كثيرا.. عيسي هو أغلي صحفي في مصر الآن .. ربما ينافس ميسي في الملاعب..

خطة تمشيط وإخلاء الساحة الإعلامية من المشاغبين بدأت ولن تتوقف حتي انتخابات الرئاسة عام 2011.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الموقع غير مسئول عن التعليقات وكل التعليقات تعبر ان اصحابها